اختلفت نشأة حزبي الإصلاح والرشاد باليمن لكن تداعيات الثورة الشبابية دفعتهما إلى اتخاذ نفس المواقف تقريبا، فشاركا في العملية السياسية وتصديا للانقلاب وناصرا الشرعية.
ملخص
باستثناء حزب الإصلاح، فإن حزب الرشاد وجماعة أنصار الله الحوثية حركتان حديثتان متناقضتان فكريًّا، لكن كليهما أعلنا عن إطارهما الحزبي في زمن متقارب وفي ظل تداعيات الثورة الشبابية السلمية.
فرضت الثورة الشعبية السلمية فيما بعد على صُنَّاع القرار التنظيمي في (الإصلاح) النزول عند رغبة قواعدهم بالتغيير الجذر. وعندما اندلعت الثورة الشبابية السلمية كان الوعي السلفي لدى معظم القيادات قد وصل إلى قناعة بضرورة مغادرة (مربع المراوحة بين العمل السياسي والخيري)، مستفيدين من تنامي توجهات ورغبات إقليمية تدعو إلى تحجيم قوة (الإصلاح) في ظل موجة التحريض والعداء لكل من يرتبط بالإخوان المسلمين فكريًّا أو تنظيميًّا.
مقدمة
تطرح الورقة عرضًا موجزًا لمسار ونشأة حزبي الإصلاح والرشاد، حيث الأول يمثِّل المدرسة الإخوانية والثاني المدرسة السلفية، وستتطرق إلى التحولات الأساسية التي طالت أهم التيارات والأحزاب الإسلامية في اليمن التي وقعت بفعل تأثير الثورة السلمية، أو من جرَّاء تداعياتها على الصعيد التنظيمي والفكري والسياسي، وما تشهده هذه الحركات أو يحتمل أن تشهده من مراجعات، وسط تعاظم المهددات التي تستهدف مستقبل الكيان الجيوسياسي اليمني. كما تتطرق إلى علاقة هذه الأطر التنظيمية بالنظام السياسي للدولة اليمنية وبالمحيط الإقليمي ومواقفها إزاء تداعيات ما بعد ثورة الربيع اليمني، وتحاول استشراف مآلات ومستقبل هذه الأطر التنظيمية على ضوء التطورات التي جاءت بها الثورات العربية.
ولن تتطرق الورقة إلى جماعة أنصار الله الحوثية لأسباب كثيرة، من أهمها أنها حالة ميليشياوية مسلحة معقدة، وقامت على قاعدة سلالية مذهبية، واتسم حضورها السياسي بارتباطها بقوى إقليمية مختلفة، ولم يكن لها نشاط سياسي مؤثر من قبل وأثناء ثورات الربيع العربي، ولا يمنع هذا من الإشارة إليها باعتبارها إحدى أدوات الثورة المضادة بتحالفها مع نظام الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح وتشكيلها إطارًا تنسيقيًّا (المجلس السياسي) معه؛ لمواجهة الشرعية السياسية التي أفرزتها نتائج الثورة الشبابية.
مسارات النشأة
الحزبية على استحياء
تكاد معظم الدراسات المختصة بالحركة السلفية في اليمن تجمع على أن الظهور الأول للتيار السلفي الحديث في اليمن بقيادة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي كان في أواخر النصف الثاني من العقد السابع من القرن الماضي. ومن الموافقات التاريخية أنه تزامنت عودة الشيخ مقبل مع اندلاع الثورة الإيرانية التي كانت تنشد تصدير نموذجها إلى بقية الأقطار العربية والإسلامية، ما أجَّج حالة طائفية في الوسط الشيعي. ويمكننا هنا أن نشير إلى ميلاد تياريْن متناقضين وفي الفترة الزمنية نفسها؛ التيار السلفي المعاصر، وتيار الزيديَّة الهادويَّة الثورية في اليمن.
كان عدد من تلامذة الشيخ مقبل الوادعي في التيار السلفي قد وصلوا إلى قناعة بضرورة تأسيس جمعية الحكمة اليمانية (الخيرية)؛ ما تسبَّب بتوتر العلاقة مع شيخهم المقيم في دماج بأقاصي شمال اليمن. بل حذَّر الشيخ منهم، ووصفهم "بصفات الانتهازية وسرقة الدعوة والعمل الحزبي ومتابعة الإخوان المسلمين"، وبعد نحو عامين (1992) حدث خلاف داخلي في إطار جمعية الحكمة نفسها؛ مما تسبب في انفصال بعض مؤسسيها إلى إطار جديد، أُعلنت نواته في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت تحت عنوان (جمعية الإحسان الخيرية)"(1).
جاء هذا التطور في التفكير السلفي انعكاسًا لمتغير سياسي على الأرض تمثَّل بظهور الكيان السياسي اليمني الموحد بعد أن ظل لقرون مجزَّأً، وما حمله من تداعيات ومتغيرات على كافة الأصعدة. وبهذا بدأ السلفيون بالسير الحذر والمتدرج نحو العمل التنظيمي من بوابة الجمعيات الخيرية.
معارضة تحت السيطرة
يُعرِّف التجمع اليمني للإصلاح نفسه في نظامه الداخلي "بالتنظيم الشعبي، السياسي، الذي يسعى إلى الإصلاح في جميع جوانب الحياة، على أساس مبادئ الإسلام وأحكامه، ويأخذ بكل الوسائل المشروعة لتحقيق أهدافه".
وتعدُّ الانتخابات الرئاسية في 2006 من المحطات الفارقة في مساره؛ فلأول مرة يدخل في مواجهة سياسية مباشرة مع رأس النظام، ويسهم مع بقية أحزاب المعارضة بالدفع بمرشح توافقي مستقل (فيصل بن شملان)، وهي سابقة في سلوكه السياسي بعد أن تعزَّز لدى النُّخبة السياسية أن الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح يذهب باليمن بعيدًا، مكرِّسًا قيمًا مناهضة لأسس النظام السياسي، وساعيًا إلى توريث الحكم لابنه، وإقصاء القوى السياسية، وتجميد المشاريع الوطنية أو توجيهها لخدمة ذلك الهدف الشخصي.
تداعيات وتحولات
1. العلاقة مع النظام السابق
اتسمت علاقة (الإصلاح) منذ نشأته بالنظام السابق بالمراوحة بين (التأييد المشروط والمعارضة المحسوبة)، وقبل قراره خوض المنافسة الانتخابية الرئاسية في إطار تحالف المعارضة (أحزاب المشترك) دخل في عداء مباشر مع النظام السابق لكنه (عداء تحت السيطرة). وبعد الانتخابات اندفعت المعارضة وعلى رأسها (الإصلاح) إلى تصعيد مطالبها بالإصلاحات في منظومة الحكم، وأنجزت (وثيقة الإنقاذ الوطني) في سبتمبر/أيلول 2009 التي حددت جذر الأزمة "بالحكم الفردي المشخصن الذي حوَّل الدولة اليمنية من مشروع سياسي وطني إلى مشروع عائلي ضيق، أفضى إلى تقويض وإهدار نضالات وتضحيات أبناء اليمن، والقفز على مكتسبات وأهداف الثورة اليمنية ومضامين وحدة 22 مايو/أيار السلمية 1990، وكشفت عن أبرز مظاهر الأزمة، وكيف جرى تقويض المشروعية الدستورية والقانونية، وسد منافذ وآفاق التغيير السلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة، وإطلاق يد الفساد لتتسيَّد وتلتهم ثروات البلاد، وحقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، فأخذت الأزمات تتفاقم وتستفحل وتتسع وتكبر مع كل انتشار وتصاعد للفساد السياسي والإداري، والاقتصادي والمالي، الذي ينتجه استمرار الحكم الفردي وعصبوية الدولة المشخصنة، وغياب الدولة الوطنية المؤسسية، والحكم الرشيد(2).
فرضت الثورة الشعبية السلمية فيما بعد على صُنَّاع القرار التنظيمي في (الإصلاح) النزول عند رغبة قواعدهم بالتغيير الجذري؛ ولأن صناع القرار اعتادوا على النهج الإصلاحي لا الثوري في معارضتهم السياسية، فإنهم وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما:
استخدام الاعتصامات الاحتجاجية؛ للضغط على النظام الحاكم بانتزاع التزامات برحيله تدريجيًّا من خلال عدم تجديد ولايته للرئاسة، وهو مسعى غير مضمون.
تلبية مطالب قواعدهم الذين التحموا بالشارع، بل وأصبحوا من قادة الحركة الاحتجاجية، مطالبين بالرحيل الفوري لنظام صالح وأسرته.
فكان الخيار الثاني أسلم وأقرب إلى المصلحة الراجحة، لاسيما أنه في حال اختيار الأول فإنَّ التقديرات كانت تشير إلى أن الحراك الداخلي سيتجاوز الحزب وقيادته، وربما سيؤدي إلى تشظيه.
في المقابل اتسمت علاقة السلفيين بالنظام السابق بالمهادنة والنأي عن الدخول في صراع مفتوح أو محدود، والحرص على تأكيد مبدأ الصبر على الظالم ومناصحته، وعدم الخروج عليه مقابل السماح لهم بممارسة أنشطتهم الدعوية الخيرية. غير أن ثمة تيارًا تبلور منذ ما بعد 2006 كان ينحو باتجاه تأطير نفسه في مكوِّن أو تكتُّل ينطلق منه إلى عالم العمل السياسي، وعندما اندلعت الثورة الشبابية السلمية كان الوعي السلفي لدى معظم القيادات قد وصل إلى قناعة بضرورة مغادرة (مربع المراوحة بين العمل السياسي والخيري)، مستفيدين من تنامي توجهات ورغبات إقليمية تدعو إلى تحجيم قوة (الإصلاح) في ظل موجة التحريض والعداء لكل من يرتبط بالإخوان المسلمين فكريًّا أو تنظيميًّا، فتشكَّل أول كيان حزبي في يوليو/تموز 2012، متزامنًا مع تصفية الوجود السلفي الدعوي أو العلمي في صعدة، وشارك حزب اتحاد الرشاد اليمني بمقعد وزاري في الحكومة، كما تعرَّض الحزب -رغم عمره القصير- لانسلاخ نائب رئيس مجلس الشورى بدعم وإسناد جماعة (أنصار الله) الحوثية. وبعد إعلان الحزب، انتقلوا إلى مربع التأييد الكامل للنظام السياسي الجديد، ودعمه وتبني خطابه فيما لا يتناقض مع رؤيتهم الكلية.
2. التأطير الحزبي/العمل السياسي
باستثناء حزب الإصلاح، فإن حزب الرشاد وجماعة أنصار الله الحوثية حركتان حديثتان متناقضتان فكريًّا، لكن كليهما أعلنا عن إطارهما الحزبي في زمن متقارب وفي ظل تداعيات الثورة الشبابية السلمية، ووسط حالة هيجان وعداء سلطوية من أطراف إقليمية لكل من ينتسب إلى حركة الإخوان المسلمين التي ظلت تمثل التيار الواسع لما يسمى بالإسلام السياسي، فلقد كانت "هناك رغبة لدى بعض الأطراف الداخلية والخارجية في إيجاد حزب إسلامي يكون منافسًا لحزب (الإصلاح) صاحب الثقل والتأثير الكبير على الساحة اليمنية، ولعلَّ هذا ما جعل المعهد الديمقراطي الأميركي يصف حزب الرشاد السلفي كأبرز القوى الصاعدة على الساحة التي ظهرت بعد 2011"(3).
3. التحالفات الداخلية والولاءات الخارجية
بانتقال معظم قيادات الإصلاح إلى خارج اليمن جرَّاء الحرب الأخيرة، وجد الحزب نفسه ا أمام تحدٍّ سياسي وتنظيمي يتمثل في لملمة أفراده الذين توزعوا ما بين المعتقلات أو في الشتات والاغتراب أو في جبهات القتال على أرض الوطن. إضافة إلى أن بعض دول التحالف تعترض على أي دور سياسي للإصلاح في اليمن؛ لأنها تعاديه باعتباره، حسب اعتقادها، مرتبطًا بحركة الإخوان المسلمين.
عَكَس الربيع اليمني وتداعياته نفسه على حزب الإصلاح ببروز حراك داخلي واسع، تمثل بحوارات ومراجعات لمناقشة الموقف من الدولة الاتحادية، والعلاقة مع التنظيمات السياسية الإسلامية الوطنية والخارجية، والعلاقة مع دول المحيط الإقليمي خاصة دول الخليج العربي في ضوء ما أفرزته عاصفة الحزم، ولعل من التحديات التي فرضها الربيع وما بعده ضرورة الوصول إلى رؤية مكتملة تحدِّد طبيعة العلاقة مع القوى السياسية خاصة المنضوية فيما يُعرف بتكتل اللقاء المشترك، الذي يضم أهم تياريْن (القومي واليساري).
وقد شهدت العلاقات التحالفية الداخلية بين هذه القوى والأحزاب حالة جمود مع اندلاع الحرب، لكنها جميعًا التقت على مناصرة وتأييد الشرعية الدستورية ورفض الانقلاب الحوثي واختطاف الثورة المضادة للعاصمة ومؤسسات الدولة، غير أن العلاقة توقفت عند هذا الحد، ولم يتم إنجاز إطار سياسي خاص يجمعها. في المقابل لم تتبلور علاقة استراتيجية بين مكوِّنات التيار السلفي السياسي (حزب الرشاد وحزب السلم والتنمية) خلال هذه الفترة، وإن كان ثمة تقارب ملحوظ بين حزبي (الرشاد) و(الإصلاح)، تمثل في تنسيق المواقف السياسية فيما بينهم تجاه عدد من القضايا.
هناك التحدي الأكبر الذي يواجه (الإصلاح) المتمثل في إشكالية مطالبة بعض الأوساط الإقليمية بالإعلان عن عدم ارتباطه بما يُسمَّى التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فيما يؤكد عدد من قياداته أنه لا توجد علاقات تنظيمية مع مسمى التنظيم الدولي، كما أنها تتساءل باستغراب عند استطلاع رأيها حول هذا المطلب، على الرغم من صمت تلك الأطراف تجاه قوى معادية لليمن وللقوى الإقليمية العربية (جماعة الحوثي مثالًا) التي عزَّزت ارتباطاتها مع القوى المشابهة لها في المحيط الإقليمي المحيط بدول المنطقة، ونسجت علاقات استراتيجية مع إيران التي تشكل خطرًا كبيرًا على أمن واستقرار المنطقة.
يرى مراقبون أن علاقة الإصلاح بالإخوان علاقة (اتصال وانفصال)؛ فهو يتصل بهم فكريًّا، ويعتمد على عدد من أطروحاتهم العلمية والدعوية، وينفصل عنهم في الجوانب التنظيمية وربما السياسية، فقد بَنَى هيكله التنظيمي وفقًا لرؤية تتناسب مع طبيعة حركته المحلية، وتولى رئاسته شخصية لا علاقة لها بحركة الإخوان، ولا حتى بمدرستها الفكرية وهو (الشيخ عبد الله الأحمر)، كما أن بنية الإخوان اليمنيين منذ نشأتهم الأولى في الطور الطلابي بالقاهرة (تنظيم الطليعة العربية الإسلامية)، أو في الطور السري بعد السبعينات لم تكن على عداء من بعض الشخصيات العربية التي ناصبت الإخوان العداء أو عاداها الإخوان مثل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، الذي تنظر إليه قيادات مؤسِّسة في الإصلاح بتقدير لمواقفه المساندة لليمنيين إبَّان اندلاع الثورة اليمنية ضد النظام الإمامي المذهبي عام 1962.
4. العنف والسلاح
بنجاح الثورة المضادة الممثلة بتحالف جماعة الحوثي والرئيس المخلوع في الاستيلاء على العاصمة، دخلت البلاد دوامة العنف والصراع المسلح، ووجدت القوى السياسية نفسها أمام تحدٍّ كبير وخطير، تمثل في العمل العسكري والعنف المسلح، ولعل (الإصلاح) أكثر من واجه هذا التحدي بحكم وزنه وفاعليته السياسية في الساحة؛ فقد رفض منذ بداية تأسيسه العمل المسلح باعتباره حزبًا لا ميليشيا، لكنه لم يمنع أفراده الموجودين في مناطقهم وقراهم أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يلتحموا بالجيش الوطني. لقد كان لديه قناعة أن ثمة (أطرافًا) تسعى إلى توريطه بالدخول في حرب ميليشياوية مع جماعة الحوثي إبان اجتياح الأخيرة للعاصمة من البوابة الشمالية، فترك مهمة التصدي للميليشيا إلى الدولة بما تبقى منها من مؤسسة عسكرية أو أمنية أو سياسية، وحرص على أن يعمل في إطار شرعية الدولة، كبقية الأحزاب السياسية، وخاض عددٌ من أفراده -وكذلك السلفيون والناصريون والاشتراكيون- المعترك العسكري في إطار المقاومة الشعبية، دون التورط في الدخول بتفاصيل العمل العسكري، وترك هذه المهمة لقيادات الجيش.
خاض السلفيون معارك عسكرية ضد الحوثيين منذ البداية دفاعًا عن مواقعهم؛ فقد باشر الحوثيون، بالتعاون مع صالح، الهجوم على معهد دماج السلفي بهدف استئصاله، وإجلاء طلاب المعهد منه بقوة السلاح فاضطر السلفيون إلى حمل السلاح للدفاع عن معهدهم في ظل غياب تام للدولة ومؤسساتها، بل تدخلت السُّلطة فيما بعد لترتيب إجلائهم من المعهد من خلال وثيقة وقَّع عليها الحوثيون والسلفيون برعاية الرئيس اليمني، عبد ربه منصور، بعد سقوط أكثر من 200 سلفي في المواجهات الدامية بدماج بمحافظة صعدة.(4)
التحق عدد من السلفيين من عناصر حزب الرشاد وحزب التنمية السلفي، فيما بعد ومع انطلاق عملية الحزم، بصفوف المقاومة وتشكَّلت لهم بعض كتائب المقاومة الشعبية في إطار تنسيقي مع الجيش الوطني، وليسوا هم والإصلاحيين وحدهم قوام تشكيلات المقاومة، فهناك أفراد من أحزاب كالناصريين والاشتراكيين منخرطون في صفوف كتائب المقاومة الشعبية في سياق النفرة العامة التي دعت إليها الشرعية الدستورية ممثَّلة بالرئيس والحكومة.
تحديات واستشراف
أولًا: الإصلاح
سيكون أمام (الإصلاح) تحدٍّ رئيسي يتمثل بضرورة إعادة تعريف نفسه للداخل الوطني وللمحيط الإقليمي من جديد، ومراجعة بنيته التنظيمية وفقًا للمتغيرات التي أفرزتها ثورة الربيع اليمني بعد دخول النظام السياسي اليمني وكيانه الجغرافي في طور انتقالي، ربما سيسفر عن شكل اتحادي في أحسن الأحوال، أو انشطارات وانسلاخات لأطرافه في أسوأ الأحوال، ومن ثَمَّ سيُعاد تشكيل هيكله التنظيمي وفقًا للتحولات على الأرض التي تجري بثبات وبتسارع أيضًا. وسيحتاج إلى إعادة تعريف ذاته كحزب يمني المنبت والجذور، وأن انتماءه الوطني هو الأساس في وجوده وتأثيره السياسي، ومرجعيته يمنية خالصة منفتح على الأفكار والمكونات والتنوع الخلاق، وأن يحدِّد بوضوح طبيعة علاقته بالتنظيمات الإسلامية المعتدلة في الوطن العربي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين التي تثير عداء لدى بعض الأطراف الإقليمية، وسيكون الإصلاح مطالبًا بطمأنة الآخرين في الداخل والخارج بتأكيده على أن الشراكة بين القوى السياسية الديمقراطية في إدارة شؤون اليمن لعشر سنوات قادمة على الأقل باتت ضرورة وطنية، وانفراد أي طرف بالحكم ستكون له أضرار جسيمة على الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار. ومن المهم أن يجدِّد بإعلان تاريخي موقفه الصريح من الجماعات المصنفة أمميًّا بأنها إرهابية، ويشدد على الشراكة الكاملة مع سائر القوى الوطنية والإقليمية والدولية تحت قيادة السلطة اليمنية بمحاربة التنظيمات المصنفة أمميًّا بأنها إرهابية ومواجهتها؛ فكرًا وفعلًا بالتعليم والتثقيف والتنمية.
على المدى القريب سيستمر حضور (الإصلاح) في دائرة الفعل السياسي المؤثر، لكنه في حال لم يجرِ مراجعات جذرية في خطابه وفي برنامجه، وإدخال إصلاحات هيكلية في بنيته التنظيمية، وإعادة صياغة رؤيته السياسية وفق المتغيرات الراهنة على الساحة المحلية، والساحة الإقليمية، فسيجد الحزب قوته وفعله وتأثيره تتضاءل، إن لم تتلاشَ لتحل محلها قوى جديدة من ذات مربعه الفكري.
ثانيًا: الرشاد
لقد خاض السلفيون من خلال (حزب اتحاد الرشاد) العملية السياسية في لحظة تاريخية فارقة تجسَّدت بين لحظة اختطافها من قبل ميليشيا الحوثي وبين انهيارها، وتغير خطاب سلفيي الرشاد بصورة تكاد تكون جذرية، فمن موقف معادٍ للعمل الحزبي إلى مصالحة وتطبيع، ومن موقف منغلق مع الغرب إلى منفتح معه، فضلًا عن المختلف معه في الوسط الوطني، ومن تجاهل إلى تعاطٍ إيجابي مع قضية المرأة ودورها، ومن عزوف ورفض المشاركة السياسية والتحالفات إلى قبول بها، ومن رضا وقناعة بما عند النظام الحاكم إلى مشاركة ومدافعة سياسية. و"مع مرور أربع سنوات من تأسيسه إلا أن الحزب يعاني من نقاط ضعف، وتقابله عقبات لعل أبرزها عدم قدرته على جمع شتات السلفيين والتنسيق بين فصائلهم، إلى جانب وقوعه في فخ التناقض تجاه مواقف أخرى، منها التعامل مع قضية المرأة، فعلى الرغم من وجود دائرة في الحزب/الاتحاد باسم المرأة، فإنه لم يقدِّم أي وجه نسائي قيادي في الحياة العامة"(5).
تذبذب (الرشاد) في تقديم نفسه بين الحزب وبين الاتحاد يضر كثيرًا بمستقبله السياسي؛ إذ حتى الساعة نجد موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية باسم اتحاد الرشاد، بينما هناك بيانات منشورة في ذات الموقع باسم حزب الرشاد، ما يعني أنه لم يقطع نهائيًّا في المسألة الحزبية؛ إذ يرى مراقبون أنه يراوح بين أن يكون حزبًا لفصيل في التيار، وبين أن يكون اتحادًا يضم شتات الفصائل السلفية المؤمنة بالعمل السياسي. ومن المهم أن يحدِّد وظيفته ودوره وموقعه في خريطة العملية السياسية والحزبية، ويحرص على أن لا يقع في فخ احتكار التمثيل لكل منتسبي التيار السلفي، فهو تمثيل خادع وغير معبِّر عن واقع الحال، ويورِّط الحزب في صدامات مع منتسبي ذات التيار ممن لديهم اجتهادات مخالفة.
يلاحظ أن (الرشاد) يحاول أن يجسِّد نموذجًا يسعى من خلاله إلى تحقيق حضور متميز على الساحة السياسية، متجاوزًا الظرف الزمني الذي رافق ظهوره والذي تمثل بسقوط الدولة ودخول البلاد في حرب وصراع مفتوح؛ مما شكَّل عامل كبح لفعالية حركته نسبيًّا.
يرتبط مستقبل (الرشاد) بمدى قدرته على تلبية تطلعات وأشواق التيار السلفي بمختلف ألوانه واجتهاداته، وحسمه للقضايا العالقة في دولابه التنظيمي، لاسيما مسألة إعادة تعريف نفسه كحزب سياسي يعبِّر عن قطاع في التيار السلفي، وسرعة إنجازه لنظرية سياسية في التغيير تراعي الواقع الراهن.
* سعيد ثابت سعيد - مدير مكتب الجزيرة باليمن.
نقلا عن مركز الجزيرة للدراسات